((وأجمعوا أنه تعالى فوق سمواته))
“وأجمعوا أنه تعالى فوق سمواته”
“أشعري”!!!
“أشعري” أعني على مذهب أبي الحسن الأشعري لكنه في هذه المسألة ليس بـ”معتزلي ولا جهمي(1)”فكلمة أشعري أصبحت مرادفة لـ”ليس هو فوق العرش ولا تحت العرش ولا فوق السموات ولا تحت السموات لا داخل العالم ولا خارج العالم لا متصل ولا..!!”الخ سلسلة النفي ، ولكن هذا النفي وهذا التعطيل لما قد وقر في فطر الناس وأكده الله ورسوله فيما لا يحصى من الأدلة وأنكر سلف الأمة على منكريه من معتزلة وجهمية غاية الإنكار لم يكن مذهب أبي الحسن ولا مذهب أصحابة الاوائل، لذا ذهب بعض الباحثين إلى تسميه الأشاعرة الأوائل بالكلابية تفرقة بينهم وبين هؤلاء المتأخرين ، يعني أن أبا الحسن الأشعري يقال له كلابي ولا يقال له أشعري وعلى أي حال فصاحبنا -قائل هذا الكلام- متأخر نوعاً ما فقد توفي سنة 628 هـ مما يدل على إستمرار مذهب “الأشعرية الكلابية” إلى تلك الأزمنة ويبدو أنه يتبع لطريقة الباقلاني فتقريراته تشبه تقريرات الباقلاني بشكل كبير وقد خالفه في مسألة الإيمان.
ترجمته:
قال الذهبي: ابن القطان الحافظ العلامة قاضي الجماعة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم الحميري الكتامي الفاسي.
سمع أبا ذر الخشني وطبقته وكان من أبصر الناس بصناعة الحديث وأحفظهم لأسماء رجاله وأشدهم عناية في الرواية معروفاً بالحفظ والإتقان.
صنف الوهم والإبهام على الأحكام الكبرى لعبد الحق. مات في ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وستمائة.انتهى
وقد طبع حديثاً كتاب فقهي له اسمه “الإقناع في مسائل الإجماع” بدأه بذكر بعض مسائل المعتقد بإختصار ثم الفقهيات ويذكر الإجماع بحسب ما يظنه على طريقة الكلابية فتجد فيه الحق والباطل والحق ما وافق الكتاب والسنة وإجماع السلف والباطل ما خالف ذلك ، وتجده ينقل الإجماع على إثبات اليدين لله-وهو حق- والإجماع على إثبات المجيء –وهو حق- ولكن يخلطه بنفي مصطلحات مجملة تحتمل حقاً وباطلاً فيقول-والترقيم من المحقق-:
((89- وأجمعوا أن لله يدين مبسوطتين.
90- وأجمعوا أن الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه من غير أن تكون جوارح
91- وأجمعوا أن يديه تعالى غير نعمتيه.
92-وأجمعوا أنه تعالى يجيء يوم القيامة والملك صفاً صفا ، لعرض الأمم وحسابها وعقابها ، فيغفر لمن يشاء من المؤمنين ، ويعذب منهم من يشاء كما قال ، وليس مجيئه بحركة ولا انتقال.))
ومما يؤخذ عليه –على سبيل المثال- أنه يتأول المحبة والرضا والغضب بالإرادة وكذا قوله بكلام الخُرس -المعذرة أعني الكلام النفسي!!- وهو بهذا لا يخرج عن مذهب الكلابية وقد نقل إجماع الكلابية على أن الله فوق سمواته كما جاء في العنوان ، وأرجو أن لا يقول من “يهذي” بأن المراد أن الله أحسن رتبة من السموات!! او أفضل من السموات!! الخ وهذه هو النص المطلوب :
ملاحظة: هذا النقل مما فات على الذهبي في العلو وابن القيم في إجتماع الجيوش ومن المعلوم أن الإمام الحافظ الذهبي لم يستوعب في كتابه العلو كل ما ورد من كلام الأئمة في إثبات العلو ولا حتى الإمام العلامة ابن القيم في إجتماع الجيوش وأنى لهم ذلك وهذا بحر لا ساحل له ، وكيف لا يكون هذا وقد قال الإمامان أبو زرعة وأبو حاتم : “هذا ما أدركنا عليه العلماء في جميع الأمصار حجازاً!! وعراقاً !!وشاماً !!ومصرا!! ويمنا!!” وذكرا من ذلك”أن الله على عرشه بائن من خلقه “العلو 2/1155 وأصل السنة واعتقاد الدين ص19 وكذا قال الإمام وشيخ الإسلام قتيبة بن سعيد كما تجده هنا:
http://www.muslm.net/vb/showthread.php?t=161296
وهنا تجد المزيد:
http://www.muslm.net/vb/showthread.p…threadid=89817
ولم يكن يقول بهذا إلا الجهمية والمعتزلة ثم تبعهم متأخري الأشعرية للآسف كما هو معروف.وممن لم يذكره الذهبي وابن القيم كلام الإمام الحافظ خشيش بن أصرم النسائي شيخ أبو داود والنسائي في كتابه الإستقامة والذي نقله مقراً ومحتجاً به الإمام المحدث الملطي الشافعي في كتابه التنبيه وقد حقق كتاب الملطي الكوثري المريسي ثم طبع بعد ذلك عدة طبعات ، وكذا كلام القاضي عبد الوهاب لم يذكره الذهبي ولم يقف عليه ابن القيم بنفسه وإنما ذكره ابن القيم بواسطه شيخه ابن تيميه والقرطبي!! ولله در ابن تيميه هذا الإمام الموسوعة ، وقد طبع الأشاعرة أخيرا رسالة القاضي وفيها إثبات العلو على رغم تكلف الجهمي المكابر محقق الكتاب في نفي ذلك، وكذا كلام الإمام الحافظ القصاب في نكت القرآن وإن كان ذكر الذهبي كلامه من غير هذا الكتاب وكذا قول الإمام الداني في “الرسالة الوافية” وغيره مما لم أقف عليه والمجال كبير ولله الحمد وكنت أتمنى أن يتولى احد طلبة العلم إعادة تحقيق إجتماع الجيوش لابن القيم ثم يضيف ما يمكن إضافته في هذا الباب مما لا يحصيه إلا الله ويرد على تخريفات السقاف إن كان ثمة شيء يستحق.
ذيل على الملاحظة: وجدت في احد المواقع الأشعرية إعترافاً بذكر نص عن أحد تلاميذ أبي الحسن الأشعري وهو ابن مجاهد وفي نصه ينقل الإجماع على “أنه تعالى فوق سمواته على عرشه دون أرضه” ، والمعترف هو الشيخ الأشعري محمد بن سلامة الأنصاري التونسي في كتابه النكت المفيدة ثم تكلف في تحريفه بما لا محصل تحته وأنا أنقل منه المراد ، قال محمد الأنصاري:
قوله-أي ابن أبي زيد-: ( وأنّه فوق عرشه المجيد بذاته )
..اعلم أوّلا أن هذا الكلام وهذا الإطلاق ليس من إطلاق المصنّف، وإنما هو إطلاق السلف الصالح والصدر الأول[شكراً للإعتراف ]؛ نصّ على ذلك الإمام أبو عبد الله بن مجاهد[تلميذ الأشعري] في رسالته إلى أهل باب من الأبواب، قال فيها ما نصّه: “وممّا أجتمعوا على إطلاقه أنّه تعالى فوق سمواته، على عرشه دون أرضه” …ثم تكلف تحريف النقول بما لا يروج إلا على الحمقى وأهل الأهواء فالله المستعان.
(1) ويتنبه إلى أن بعض الجهمية يقولون الله في كل مكان وبعضهم يقول: الله لا مباين ولا فوق ولا تحت الخ ينظر في ذلك ما ذكره الإمام الفقيه المحدث الثقة الملطي الشافعي في الرد والتنبيه وهو من أقدم الكتب في بيان الفرق وقد كان رد السلف على هؤلاء جميعاً قاصماً لظهورهم مبيناً عقيدتهم التي يدينون بها فقالوها: الله فوق العرش ، الله فوق سبع سموات ، إنما يحاولون أن يقولوا : ليس في السماء شيء، الخ الخ ونصوصهم في هذا كثيرة جداً وما قال أحد منهم قط الله لا داخل ولا خارج لا فوق العرش ولا تحت العرش الخ .
سمع أباه، وتفقه بأبي العباس بن عيسى.
وسمع من صهره طارق بن يعيش، وابن الدباغ، وبمكة من أبي الفتح الكروخي، وبالثغر من السلفي.
وله تصانيف ممتعة، وشعر، وفضائل، ويد في اللغة.
مات بقوص بعد الخمسين وخمس مئة.
قال الذهبي: الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل. الحافظ، بو العلاء الهمذاني، العطار، المقرىء، المحدث، شيخ مدينة همذان. رحل إلى إصبهان، وقرأ القراءآت على أبي علي الحداد، وسمع منه الكثير. وقرأ القراءآت على أبي العز القلانسي بواسط وعلى: أبي عبد الله البارع، وأبي بكر المزرفي، وجماعة ببغداد.وسمع بها من: أبي القاسم بن بيان، وأبي علي بن المهدي، وخلق.ومن: أبي عبد الله الفراوي، وطبقته بخراسان. ثم رحل ثانية سنة نيف وعشرين وخمسمائة إلى بغداد، فقرأ بها لولده الكثير، ثم قدمها بعد الثلاثين. ثم قدمها بعد الأربعين، فقرأ بها لولده أحمد الكثير على: أبي الفضل الأرموي، وابن ناصر، وابن الزاغوني، وحدث إذ ذاك بها. وقرأ عليه القراءآت: أبو أحمد بن سكينة. وروى عنه: هو، والمبارك بن الأزهر، وأبو المواهب بن صصرى، وعبد القادر بن عبد الله الرهاوي، ويوسف بن أحمد الشيرازي، ومحمد بن محمود بن إبراهيم الحمامي، وأولاده أحمد، وعبد البر، وفاطمة، وعتيق بن بدل المكي بمكة، وسبط محمد بن عبد الرشيد بن علي بن بنيمان، وأخو هذا القاضي علي بن عبد الرشيد وماتا في شهر سنة إحدى وعشرين، وأخوهما القاضي عبد الحميد، وبقي إلى سنة سبع وثلاثين، وسماعه في الرابعة. وروى عنه بالإجازة: أبو الحسن بن المقير، وهو آخر من روى عنه فيما أعلم.
ذكره أبو سعد السمعاني فقال: حافظ، متقن، ومقرىء فاضل، حسن السيرة، جميل الأمر، مرضي الطريقة، عزيز النفس، سخي بما يملكه، مكرماً للغرباء، يعرف الحديث والقراءآت والأدب معرفة حسنة. سمعت منه بهمذان.
وقال الحافظ عبد القادر الرهاوي: شيخنا الإمام أبو العلاء أشهر من أن يعرف، بل تعذر وجود مثله في أعصار كثيرة، على ما بلغنا من سيرة العلماء والمشايخ. ربى على أهل زمانه في كثرة السماعات، مع تحصيل أصول ما يسمع، وجودة النسخ، وإتقان ما كتبه بخطه. فإنه ما كان يكتب شيئاً إلا منقوطاً معرباً. وأول سماعه من عبد الرحمن بن حمد الدوني في سنة خمس وتسعين وأربعمائة. وبرع على حفاظ عصره في حفظ ما يتعلق بالحديث في الأنساب، والتاريخ، والأسماء، والكنى، والقصص، والسير. ولقد كان يوماً في مجلسه، وجاءته فتوى في أمر عثمان رضي الله عنه، فأخذها وكتب فيها من حفظه، ونحن جلوس، درجاً طويلاً، ذكر فيه نسبه، ومولده، ووفاته، وأولاده، وما قيل فيه، إلى غير ذلك. وله التصانيف في الحديث، والزهد والرقائق، وصنف زاد المسافر في نحو خمسين مجلداً. وكان إماماً في القرآن وعلومه، وحصل من القراءآت المسندة، إنه صنف العشرة والمفردات، وصنف في الوقف والإبتداء، والتجويد، والماءآت، والعدد ومعرفة القراء وهو نحو من عشرين مجلداً. واستحسنت تصانيفه في القرآن، وكتبت، ونقلت إلى خوارزم والشام. وبرع عليه جماعة كثيرة في علوم القرآن. وكان إذا جرى ذكر القراء يقول: فلان مات في سنة كذا، وفلان مات في سنة كذا، وفلان يعلو إسناده على فلان بكذا، وكان إماماً في النحو واللغة، سمعت أن من جملة ما حفظ في اللغة كتاب الجمهرة، وخرج له تلامذة في العربية أئمة يقرأون بهمذان. وفي بعض من رأيت من أصحابه من جملة محفوظاته كتاب الغرايبين للهروي.
وكان عتيقاً من حب المال، مهيناً له، باع جميع ما ورثه، وكان من أبناء التجار، وأخرجه في طلب العلم، حتى سافر إلى بغداد، وإصبهان مرات كثيرة ماشياً، وكان يحمل كتبه على ظهره. وسمعته يقول: كنت أبيت ببغداد في المساجد، وآكل خبز الدخن. وسمعت شيخنا أبا الفضل بن بنيمان الأديب بهمذان يقول: رأيت الحافظ أبا العلاء في مسجد من مساجد بغداد يكتب وهو قائم على رجليه، لأن السراج كان عالياً. ثم نشر الله ذكره في الآفاق، وعظم شأنه في قلوب الملوك وأرباب المناصب والعوام…..وكان لا يأكل من أموال الظلمة، ولا قبل منهم مدرسة قط ولا رباطاً، وإنما كان يقرىء في داره، ونحن في مسجده، فكان يقرىء نصف نهاره الحديث، ونصفه القرآن والعلم. وكان لا يغشى السلاطين، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يمكن أحداً أن يعمل في محلته منكراً ولا سماعاً. وكان ينزل كل إنسان منزلته، حتى تألفت القلوب على محبته وحسن الذكر له في الآفاق البعيدة. حتى أهل خوارزم، الذين هم من أشد الناس في الاعتزال كتبوا تصانيفه، وصار له عندهم من الصيت لعل قريباً من همذان، مع مباينتهم له في الإعتقاد، ومعرفتهم شدته في الحنبلية ، وكان حسن الصلاة، لم أر أحداً من مشايخنا أحسن صلاة منه…وكانت السنة شعاره ودثاره اعتقاداً وفعلاً. كان لا يكاد يبدأ في أمر إلا ابتدأ فيه بسنة إما دعاء وإما غير ذلك.وكان معظما للسنة بحيث أنه كان إذا دخل مجلسه أحد، فقدم له رجله اليسرى كلف أن يرجع فيقدم اليمنى.وكان لا يمس أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو على وضوء، ولا يدع شيئاً قط إلا مستقبل القبلة تعظيماً لها. ورآني يوماً وعلى رأسي قلنسوة سوداء مكشوفة فقال: لا تلبسها مكشوفة، فإن أول من أظهر لبس هذه القلانس أبو مسلم الخراساني، ثم شرع في ذكر أبي مسلم، فذكر أحواله من أولها إلى آخرها…وسمعت الحافظ أبا القاسم علي بن الحس يقول، وذكر رجلاً من أصحابه رحل: إن رجع ولم يلق الحافظ أبا العلاء ضاعت سفرته..وقال الحافظ محمد بن محمود الحماني الهمذاني: ولد شيخنا أبو العلاء في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.قال: وتوفي في تاسع عشر جمادى الأولى.وذكره ابن النجار فقال: إمام في علوم القراءآت، والحديث، والأدب، والزهد، والتمسك بالسنن، رحمه الله. انتهى من تاريخ الإسلام.
قال ابن الجزري في غاية النهاية 1/204 : ((الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل الأمام الحافظ الأستاذ أبو العلاء الهمذاني العطار شيخ همذان وإمام العراقيين ومؤلف كتاب الغاية في القراآت العشر وأحد حفاظ العصر ثقة دين خير كبير القدر، اعتنى بهذا الفن أتم عناية وألف فيه أحسن كتب كالوقف والابتداء والماآت والتجويد وأفرد قراآت الأئمة أيضاً كل مفردة في مجلد وألف كتاب الانتصار في معرفة قراء المدن والأمصار ومن وقف على مؤلفاته علم جلالة قدره وعندي أنه في المشارقة كأبي عمرو الداني في المغاربة بل هذا أوسع رواية منه بكثير ، مع أنه في غالب مؤلفاته اقتفى أثره وسلك طريقه))
وكان معتقده سلفياً ، السنة شعاره ودثاره اعتقاداً وفعلاً ، داعياً لها شديد التمسك بها أو كما مر معنا في كلامه تلميذه انه كان شديداً في الحنبلية
وقد وردت الإمام فتيا من دمشق عن وقوع التأويل والاختلاف في الصفات وعن إنكار أهل الكلام هناك أن يكون الله في جهة العلو الخ وطُلب منه أن ينعم ويحقق هذه المسائل باوضح الدلائل ويحذر من أهل البدع الخ فأجاب الإمام بجواب حسن على طريقة المحدثين في سوق المرويات وقد طبع هذا الجزء باسم [فتيا وجوابها في ذكر الاعتقاد وذم الاختلاف] تحقيق عبد الله الجديع طباعة دار العاصمة
بدأ الجواب بذكر آيات وأحاديث تنبأ عن اختلاف الأمة وانتقاض عرى الإسلام والسنة ثم فصل في [ومما جاء في اختلاف التأويل وتنافر القلوب] ثم فصل في [ذم الأهواء المردية والآراء المغوية] ثم فصل [في الاستواء] ثم فصل [في إيصاء النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين] ثم فصل [في ذكر الاعتقاد الذي اجمع عليه علماء البلاد]
قال في فصل [في الاستواء] : ((قال الله تعالى: (( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)) وقال: (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) وقال (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)) في نظائرها كثيرة
[ثم ساق أحاديث في في إثبات العلو كحديث الجارية والاوعال الخ]..))
وفي فصل [في ذكر الاعتقاد الذي أجمع عليه علماء البلاد] ساق بسنده الصحيح(1) عقيدة الإمام أبو حاتم والإمام أبو زرعة رحمهما الله وفيها:
سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة وما ادركا عليه العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً ومصر وشاماً ويمنا؟ فكان من مذاهبهم: أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته إلى قوله وأن الله على عرشه باين من خلقه كما وصف نفسه وعلى لسان رسوله بلا كيف..الخ
رحم الله الإمام رحمة واسعة
(1) وهو واحد من ثلاثة أسانيد مروية لهذه العقيدة المجيدة ينظر العلو بتحقيق الدكتور البراك ج2/1153-1159 .
((القول في أن الله تعالى مستو على العرش:هذه المسألة سبيلها التوقيف المحض ولا يصل إليها الدليل من غير هذا الوجه [الاستواء صفة خبرية بخلاف العلو الذي هو صفة عقلية فطرية أيضا]وقد نطق به الكتاب في غير آية ووردت به الأخبار الصحيحة فقبوله من جهة التوقيف واجب والبحث عنه وطلب الكيفية غير جائز وقد قال مالك الاستواء معلوم والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة فمن التوقيف الذي جاء به الكتاب قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى ) وقال (ثم استوى على العرش الرحمن )
وقال ( رفيع الدرجات ذو العرش )
وقال ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا )
وقال ( تعرج الملائكة والروح إليه )
وقال ( بل رفعه الله إليه )
وقال ( إليه يصعد الكلم الطيب )
وقال حكاية عن فرعون أنه قال ( يا هامان ابن لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى ) فوقع قصد الكافر إلى الجهة التي أخبره موسى عنها ولذلك لم يطلبه في طول الأرض ولا عرضها ولم ينزل إلى طبقات الأرض السفلي فدل ما تلوناه من هذه الآي على أن الله سبحانه في السماء مستو على العرش ولو كان بكل مكان لم يكن لهذا التخصيص معنى ولا فيه فائدة وقد جرت عادة المسلمين خاصتهم وعامتهم بأن يدعوا ربهم عند الابتهال والرغبة إليه ويرفعوا أيديهم إلى السماء وذلك لاستفاضة العلم عندهم بأن ربهم المدعو في السماء سبحانه ، و زعم بعضهم أن معنى الاستواء هاهنا الاستيلاء ، ونزع فيه ببيت مجهول لم يقله من يصح الاحتجاج بقوله إلخ كلامه ، ينظر تهذيب مختصر سنن أبي داود لابن القيم7/109-109 ومختصر الصواعق له 2/318
ونص على هذا الإمام النووي فقد قال في ترجمة الخطابي من تهذيبه على طبقات الفقهاء الشافعية 1/469-470 : ((وله تصانيف في فنون جميلة بديعة منها كتابه الموسوم بـ”شعار الدين” في أصول الدين التزم فيه إيراد أوضح ما يعرفه من الدلائل من غير أ ن يجرد طريقة المتكلمين…إلى أ ن قال..وصرح بأنه سبحانه في السماء وقال: زعم بعضهم أن معنى الاستواء هاهنا الاستيلاء ، ونزع فيه ببيت مجهول لم يقله من يصح الاحتجاج بقوله.)) انتهى المقصود وقد استفدت الإحالة من الشيخ مشهور آل سلمان في أحد أشرطته في عقيدة النووي بارك الله في عمره ثم رجعت ونقلت النص بنفسي من الكتاب.
وقول الإمام القدوة، شيخ الاسلام أبو الفرج المقدسي المتوفى سنة 486 هـ في كتابه امتحان السني من البدعي ص215-216:
((يسأل عن الفوقية فإن قال به ، فهو سني ، وإن أنكره[يعني بالتأويل الإجمالي أو التفصيلي] فهو أشعري ملعون ، دليلنا:
قوله تعالى : ((يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ))
وقوله: (( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ))
وقوله : ((يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ))
وقوله : ((ِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)) )) انتهى وينظر تعليق المحقق على قوله (ملعون).
وقول الإمام أبو الخطاب الكلوذاني الحنبلي(ت:510 هـ) في منظومته المشهورة-من رواية ابن الجوزي-:
قالوا فهل هو في الأماكن كلها ** فأجبت بل هو في العلو مذهب أحمد
قَالوا : أَبان الكلوذانِيَّ الهُدى=قلتُ : الَّذِي فوقَ السماءِ مُؤيِّدي
ينظر تمام المنة بشرح اعتقد أهل السنة ص58
وقول الإمام العمراني شيخ الشافعية في اليمن(ت:558) ينظر الإنتصار 2/607-625 وقد نقل بعض شبهات الغزالي في تأويل العلو ونسفها وذكره بكلام شيوخهم القدماء كالباقلاني في التمهيد والوقت يضيق عن نقل كلامه ، وليس هو ما أشار له ابن القيم في اجتماع الجيوش ينظر مقدمة الإنتصار1/27.
وقول الإمام العلامة الحافظ تقي الدين عبد الغني المقدسي(ت:600) في عقيدته المطبوعة باسم (الاقتصاد في الاعتقاد) ص80-95 : ((فمن صفات الله التي وصف بها نفسه ونطق بها كتابه وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أنه مستو على العرش كما أخبر عن نفسه فقال…وسرد الآيات والأحاديث في ذلك ثم ذكر حديث الجارية ثم قال..
ومن أجهل جهلاً وأسخف عقلاً وأضل سبيلاً ممن يقول إنه لا يجوز أن يقال أين الله، بعد تصريح صاحب الشريعة بقول أين الله؟؟ ، ثم سرد أحدايث وآثار سلفية أخرى ثم قال..
وفي هذه المسألة أدلة من الكتاب و السنة يطول بذكرها الكتاب ، ومنكر أن يكون الله في جهة العلو بعد هذه الآيات والأحاديث مخالف لكتاب الله منكر لسنة رسول الله..ثم نقل عن ابن المبارك والشافعي ومالك إثبات العلو)).انتهى
ابن بزيزة من أعيان أئمة المالكية ومن علماء بلده – تونس- الكبار ، له: شرح الإرشاد للجويني وله غير ذلك من التصانيف توفى سنة 673 هـ قالوا فيه ((الإمام العلامة المؤلف المحصل المحقق نزيل تونس كان عالماً صوفياً فقيهاً جليلاً))إلخ وقد اعترف في شرحه للإرشاد بأن إثبات العلو مذهب القلانسي وهو معروف من أئمة الكلابية وواعترف أيضاً أن هذا هو مذهب الإمام البخاري ، وقد نقل هذا الاعتراف في فتاواه ، البرزلي المتوفى سنة 841 وهو فقيه تونس وأحد أئمة المالكية وقد اعترف البرزلي –كما اعترف قبله القاضي عياض- أن هذا المذهب هو مذهب عامة المحدثين ، فرحم الله أهل الحديث والسنة وجمعنا وإياهم في جنته وهذه هي الفتوى بإختصار وقد ورد بعض الأجزاء منها في الفتاوى الحديثية للهيتمي وما بين الـ[ ] من كلامي:
…هذه مسألة وقع الكلام فيها قديماً وحديثاً وهي كما قال القاضي عياض وإن تساهل في الكلام فيها بعض الشيوخ المتقدمين أو جلهم[سبحان الله جلهم تساهلوا في الضلال والكفر!!؟؟] فهي من عويصات [في المطبوع تحريف والنقل عن الفتاوى الحديثية ص151 للهيتمي] مسائل التوحيد، واللائق بالزمان عدمُ ذكرها[!!!]، وإن كان ولا بد…أقول وبالله التوفيق:
أجمع المسلمين قاطبة على استحالة التجسيم، والحلول، والاستقرار على الله تعالى وحكم بذلك صريح العقل. وأجمعوا أيضاً على استحالة إرادة الحقيقة فيما ورد من ظواهر الآي والأخبار مما يوهم ذلك[هم أجمعوا على تنزيهه عن كل نقص وعيب وليس في ظاهر الكتاب والسنة ما يوهم هذا أصلاً لكن إن قصد ببعض ماذكره من ألفاظ ما دل الكتاب أو صحيح السنة عليه من علو الله وارتفاع ذاته فوق عرشه فوق سبع سموات فهذا الإجماع لم يقع قط!] .
واختلفوا بعد ذلك في مسألة منها، وهي: هل يصح إطلاق جهة الفوقية والعلوّ من غير تكييف ولا تحديد عليه تعالى؟؟ فمذهب جميع المتكلمين وفحول العلماء وأهل أصول الديانات على استحالة ذلك كما نص عليه أبو المعالي إمام الحرمين في الإرشاد وغيره من المتكلمين والفقهاء[على هذا كثير من المعتزلة ومتأخري الأشعرية وليس هو مذهب جميع المتكلمين إلخ!] ، وقالوا: إن ذلك ملزوم للتجسيم والحلول والتحيز والمماسَّة والمباينة والمحاذاة، وهذه كلها حادثة، وما لا يَعْرى من الحوادث أو يفتقر للحوادث فهو حادث، والله سبحانه وتعالى يستحيل عليه الحدوث شرعاً وعقلاً كما هو مبين في كتب الأصول[آفة أهل الكلام هو قياس الله على أجسامهم وظنهم لزومه جل وعلا لما يلزمهم!! والآفة الثانية تكلمهم بألفاظ مجملة موهمة وقياسات فاسدة كبعض هذه التي مرت وهي من دليل حدوث الأجسام عندهم مع تسرعهم بالخوض والنفي بلا دليل شرعي صحيح].
واختلف هؤلاء فيما ورد من ظواهر الآي والأحاديث التي خرجها أهل الصحيح مما يوهم ذلك فذهب بعض السلف كالشعبي وابن المسيب وسفيان إلى الوقف عنها، وقالوا: يجب الإيمان بها كما وردت ولا نتعدى إلى تفسيرها. وضُعِّف هذا القول بما مر من الإجماع على عدم إرادة حقيقتها في عرف اللسان، فقد تكلموا فيها بصرفها عن ظواهرها فالسكوت عنها موهم للعوام وتنبيه للجهلة[هذا هو التفويض وهو باطل كما اعترف البرزلي ببطلانه وبما يلزم منه من لوازم شنيعة ونسبته لمن مر من السلف لا تصح وكذا قوله أنهم صرفوها عن ظواهرها!]. وذهب الجمهور[هذا يصح على متأخري قومه] إلى الكلام عليها وإلى حملها على محامل قريبة المأخذ منها بينة تليق بها من جهة الشرع والعقل، ولسان العرب ، وتقتضي تنزيه الرب جل وعلا عما يوهم ظاهرها، وقد نص على هذا الإمام أبو المعالي إمام الحرمين وغيره من حذاق المتكلمين[هذا هو مذهب التحريف ويسمونه التأويل وقد أبطله الجويني نفسه في آخر عمره ونقل إجماع السلف على خلافه فالحمد لله]. وذهب القاضي الباقلاني وغيره في بعضها إلى أنها دالة على صفة زائدة تليق بجلاله تعالى من غير تكييف ولا تحديد[يعني بهذا المذهب : إثبات الصفة فقط لفظاً لا يٌعرف معناه!؟ فلا يعرفون مرادفه ولا آثاره ولا ما يضاده ولا الأفعال المتعلقة به إلخ وهذا باطل بلا شك فالمعني بالعلو هنا ما فطر الله به عباده من أن ربهم فوق السموات بحيث ترتفع له الأيدي ويشار له بالأصابع وإلا فلا يختلف هؤلاء عن فرقة التفويض الأولى إلا بإثبات لفظ فقط كصفة بلا معنى ولا دليل!والباقلاني في التمهيد على خلاف هذا المذهب ]، ولكل فريق تأويلات ومآخذ تليق بجلاله تعالى تطول…
والمذهب الثاني: جواز إطلاق جهة فوق من غير تكييف ولا تحديد نقله أبو المعالي إمام الحرمين في الإرشاد عن الكرامية وبعض الحشوية، ونقله القاضي عياض عن الفقهاء والمحدثين وبعض المتكلمين من الأشعرية وأنكر شيخنا الإمام [يعني ابن عرفة] عليه ما نقله عن بعض الأشعرية إنكاراً شديداً، وقال: لم يقله أحد منهم فيما علمته واستقريْتُه من كتبهم، وسمعته يقول: “القاضي ضعيف في علم الأصول[هذا يدل على ضعفه هو وإلا فلم ينفرد القاضي عياض بهذا النقل عن الأشاعرة بل القرطبي نقل هذا بل نص على مواضعه من كتب الأشاعرة القدماء فهل القرطبي ضعيف في الأصول؟؟ وسيأتي نقل البرزلي عن ابن بزيزة] ويعرف ذلك من تواليفه وكان عالماً بالأحاديث ورجالها وضبطها ولغاتها مقدَّماً في ذلك فلا يلتفت لنقله عن أهل الأصول في هذه المسألة”.
ثم قال البرزلي متعقباً شيخه: وكلامه في الشفاء يدل على علمه في هذا الفن [يعني الأصول] وغيره وتَضَّلُّعه ، وما نقله [يعني القاضي] عن بعض الأشعرية حكاه ابن بزيزة في شرح الإرشاد عن القلانسي من مشايخ الأشعرية[في فتاوى البرزلي تحريف في اسم القلانسي والضبط من الفتاوى الحديثية] ، وعن البخاري وغيره، غير أن هذا مُحدث [يعني أن البخاري من أهل الحديث ليس من الأشعرية حيث أن الكلام فيهم]، واختار هذا المذهب ابن عبد البرّ في “الاستذكار” واشتد نكير شيخنا المذكور عليه وقال: لم تزل فقهاء المذهب ينكرونه عليه بحمل ما ورد على ظاهره ولتدافع مذهبه في نفسه عند تحقيقه وهو ظاهر كلام الشيخ أبي محمد بن أبي زيد في رسالته.
وفي أسئلة الشيخ عز الدين: ما تقول في قول ابن أبي زيد، وأنه فوق عرشه المجيد بذاته، وأنه في كل مكان بعلمه هل يفهم منه القول بالجهة وهل يكفر معتقدها أم لا؟.
فأجاب الشيخ عز الدين: بأن ظاهره ما ذكر من القول بالجهة، لأنه فرق بين كونه على العرش وكونه مع خلقه بعلمه، والأصح أن معتقد الجهة لا يكفر لأن علماء المسلمين لم يخرجوهم عن الإسلام، بل حكموا لهم بالإرث من المسلمين وبالدفن في مقابر المسلمين، وتحريم دمائهم وأموالهم وإيجاب الصلاة عليهم، وكذا سائر أرباب البدع لم يزل الناس يجرون عليهم أحكام الإسلام ولا مبالاة بمن كفرهم لمراغتمه لما عليه الناس انتهى كلام عز الدين…
ثم تكلم عن تكفير القائل بالعلو ونصر عدم التكفير ثم نقل ما قاله السبكي عن شيخ الإسلام ابن تيميه في المسائل التي زعم أنه خالف الإجماع فيها في الفروع والأصول !!
ثم قال البرزلي: لا خفاء أن من نظر كلام الرجل مما نسب إليه من التواليف يقتضي نفي أكثر ما نسب إليه من هذه المسائل غير انه من القائلين بالجهة ، وله في إثباتها جزء ، وهو من الحنابلة وعلى هذا المذهب عامة المحدثين ، وسماهم أبو المعالي حشوية لكنهم يقولون من غير تكييف ويلزمهم جميع ما يلزم هذا القول إلخ )) فتاوى البرزلي 6/197-206
23- صاحب “رسالة في الذب عن أبي الحسن الأشعري” وهو إما: الإمام العلامة قاضي الديار المصرية ابن درباس الشافعي أو ابن أخيه الإمام الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن عيسى بن درباس ينظر ما كتبه الشيخ حمدي السلفي في بحثه في سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة(33) وهي منشورة على الشبكة وفيها انتصر ابن درباس لما جاء في الإبانة للأشعري التي ينفر منها المتمشعرة ومن ضمنها مسألة العلو وقد ورد فيها ذكر عدد من الأعلام ممن يوافقه ممن سيرد مرقما، قال ابن درباس:
ومنهم الإمام الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت الطرقي [كان حافظاً عارفاً بالفقه والأصول والأدب، حسن التصنيف]، فإنه قال في بيان مسألة الاستواء[ذكر هذا النص الذهبي في العلو حين تعرض للإبانة ]:
ما أخبرنا به الإمام الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت قال: رأيت هؤلاء الجهمية ينتمون في نفي العرش وتأويل الاستواء إلى أبي الحسن الأشعري.
وما هذا بأول باطل ادَّعوه وكذب تعاطوه، فقد قرأت في كتابه المرسوم بـ (الإبانة عن أصول الديانة) أدلة من جملة ما ذكرته في إثبات الاستواء.
وقال في [جملة] ذلك: ومن دعاء أهل الإسلام جميعًا إذا هم رغبوا إلى الله تعالى في الأمر النازل [هم] يقولون: يا ساكن العرش.
ثم قال: ومن حَلِفِهِمء جميعًا [قولهم:] لا والذي احتجب بسبع سماوات.
هذا آخر ما حكاه، وهو في الإبانة كما ذكره.
(24-)ومنهم الإمام الفقيه أبو الفتح نصر المقدسي رحمه الله[الإمام والزاهد الشافعي المعروف وله كلام في العلو مذكور في علو الذهبي]، فإني وجدت (كتاب الإبانة) في كتبه ببيت المقدس حرسه الله، ورأيت في بعض تواليفه في الأصول فصولاً منها بخطه.
(25-) ومنهم الفقيه أبو المعالي مجلي صاحب (كتاب الذخائر) في الفقه[الإمام و العلامة الفقيه الشافعي. ولي قضاء ديار مصر وقد صنّف كتاب الذخائر في الفقه، وهو من الكتب المعتبرة، قاله الذهبي].
فقد أنبأني غير واحد عن الحافظ أبي محمد المبارك بن علي البغدادي ونقلت [له] أنا من خطه في آخر (كتاب الإبانة): نقلت هذا الكتاب جميعه من نسخة كانت مع الشيخ الفقيه مجلي الشافعي أخرجها إلي في مجلد، فنقلتها وعارضت بها، وكان رحمه الله يعتمد عليها وعلى ما ذكرناه فيها، ويقول: لله من صنفه، ويناظر على ذلك لمن ينظره، وذكر ذلك لي وشافهني به.
وقال: هذا مذهبي وإليه أذهب، فرحمنا الله وإياه.
نقلت ذلك في سنة أربعين وخمس مئة بمكة حرسها الله.
(26-)ومنهم الحافظ أبو محمد بن علي البغدادي نزيل مكة حرسها الله، فإني شاهدت نسخة لكتاب (الإبانة) بخطه من أوله إلى آخره، وفي آخره بخطه ما تقدّم ذكره آنفًا، وهي بيد (27-)شيخنا الإمام رئيس العلماء الفقيه الحافظ العلامة أبي الحسن علي بن المفضل المقدسي، ونسخت منها نسخة وقابلتها عليها بعد أن كنت كتبت نسخة أخرى مما وجدته في كتاب الإمام نصر المقدسي ببيت المقدس حرسه الله، ولقد عرضها بعض أصحابنا على عظيم من عظماء الجهمية المنتمين افتراءً إلى أبي الحسن الأشعري ببيت المقدس، فأنكرها وجحدها، وقال: ما سمعنا بها قط، ولاهي من تصنيفه، واجتهد آخرًا في إعمال روايته ليزيل الشبهة فطنته، فقال بعد التحريك – تحريك لحيته -: لعله ألفها لما كان حشويًا، فما دريت من أي أمريه أعجب؟ أمن جهله بالكتاب مع شهرته وكثرة من ذكره في التصانيف مع العلماء، أو من جهله لحال شيخه الذي يفتري عليه بانتمائه إليه واشتهاره قبل توبته بالاعتزال بين الأمة عالمها وجاهلها؟ وشبهت [أمره] في ذلك بحكاية:
أنبأناها الإمام أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي الحافظ رحمه الله قال:
فإذا كانوا بحال من ينتمون إليه بهذه المثابة يكونون بحال السلف الماضي وأئمة الدين من الصحابة والتابعين وأعلام الفقهاء والمحدثين، وهم لا يلوون على كتبهم ولا ينظرون في آثارهم، وهم والله بذلك أجهل وأجهل، كيف لا [و] قد قنع أحدهم بكتاب ألفه الجهمية بعض من ينتمي إلى أبي الحسن بمجرد دعواه، وهو في الحقيقة مخالفة لمقالة أبي الحسن التي رجع إليها واعتمد في تدينه عليها، قد ذهب صاحب [ذلك] التأليف إلى المقالة الأولى وكان خلال ذلك أحرى به وأولى، لتستمر القاعدة وتصير الكلمة واحدة.))
28- الإمام أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي شيخ العربية والقراءات وشيخ الحنفية ومسند الشام المتوفى سنة 613 : فقد ناصر الإمام الحافظ عبد الغني المقدسي في محنته المشهورة في مسألة العلو والنزول والكلام ، يقول الذهبي في تاريخ الإسلام ترجمة الحافظ عبد الغني: ((قوله-يعني السبط- وإجماع الفقهاء على الفتيا بتكفيره كلام ناقص، وهو كذب صريح، وإنما أفتى بذلك بعض الشافعية الذين تعصبوا عليه، وأما الشيخ الموفق وأبو اليمن الكندي شيخا الحنفية والحنابلة فكانا معه. ولكن نعوذ بالله من الظلم والجهل.)) وقد ذكر غير واحد منهم الذهبي وابن كثير والموفق رحمهم الله انه على معتقد أهل السنة السلفي ، وقد وقف له الذهبي على فتيا في القرآن تدل على خير وتقرير جيد وذكر الذهبي أنها تخالف قول الأشاعرة -مستفاد من رسالة دكتوراة بعنوان”جهود علماء السلف في تقرير العقيدة” “القرن السابع” غير مطبوعة-.
29- الإمام الحافظ محدث الإسلام أبو عبد الله ابن مندة المتوفى سنة 395 هـ فقد ذكر مسألة العلو وكررها في كتابه المفيد التوحيد فقال على سبيل المثال:
((ذكر الآي المتلوة والأخبار المأثورة في ان الله عز وجل فوق خلقه بائناً عنهم..))
((بيان آخر يدل على أن العرش فوق السموات وأن الله تعالى فوق الخلق بائناً عنهم))..
((بيان آخر يدل على أن الله تعالى فوق عرشه بائناً عن خلقه))
((بيان آخر يدل على ما تقدم وأن الإقرار بأن الله عز وجل في السماء من الإيمان)) وذكر حديث الجارية ينظر التوحيد 3/185 و187 و190 و274 و268 و288.
يأتي قول ابن رشد “الجد” !
أ- قال: ((فإن قيل فلم لم يكشف الغطاء عن المراد بإطلاق لفظ الإله ولم يقل[يعني الرسول صلى الله عليه وسلم] أنه موجود ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا هو داخل العالم ولا خارجه ولامتصل ولا منفصل ولا هو في مكان ولا هو في جهة بل الجهات كلها خالية عنه فهذا هوالحق عند قوم والإفصاح عنه كذلك كما فصح عنه المتكلمون ممكن ولم يكن في عبارته قصور ولا في رغبته في كشف الحق فتور ولا في معرفته نقصان قلنا: من رأى هذا حقيقة الحق اعتذر بان هذا لو ذكره لنفر الناس عن قبوله ولبادروا بالإنكار وقالوا هذا عين المحال ووقعوا في التعطيل ولا خير في المبالغة في تنزيه ينتج التعطيل في حق الكافة إلا الأقلين وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم داعياً للخلق إلى سعادة الآخرة رحمة للعالمين ، كيف ينطق بما فيه هلاك الأكثرين…وأما إثبات موجود في الاعتقاد على ماذكرناه من المبالغة في التنزيه شديد جداً بل لا يقبله واحد من الألف لا سيما الأمة الأمية))إلجام العوام عن علم الكلام ص56-57 طبعة المكتبة الأزهرية
وفي هذا النص:
1- إقرار صريح بأن الرسول لم يتكلم بعقيدتهم.
2- لو ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم عقيدتهم لنفر الناس عن قبولها ولبادروا بالإنكار.
3- لا يقبل عقيدتهم واحد من الألف وهذا يعني أنه لو فرضنا أن كل الأمة الأمية سمعوا بهذه العقيدة تصبح نسبة المنكرين لها 99.9% من هذه الامة الأمية فكيف لو عرفنا أن الكثير لم يسمع بهذا الاعتقاد قط فضلاً عن أن يفهمه فضلاً عن أن يأخذ به!! ، إذاً كم ستصبح نسبة من يقول بقولهم من هذه الأمة!؟؟
ب- ذكر الغزالي في ميزان العمل ص407 في طريقة “الإنسان الكامل” : “إن وقع له مسترشد [يعني يطلب الإرشاد والتعليم] تركي أو هندي ، أو رجل بليد جلف الطبع ، وعلم أنه لو ذكر له أن الله تعالى ليس ذاته في مكان وأنه ليس داخل العالم ولا خارجه ولا متصلاً به ولا منفصلاً عنه ، لم يلبث أن ينكر وجود الله تعالى ويكذب به ، فينبغي أن يقرر عنده أن الله تعالى على العرش!!! وأنه يرضيه عبادة خلقه ، ويفرح بها!! فيثيبهم ويدخلهم الجنة عوضاً وجزاءً. وإن احتمل أن يذكر له ما هو الحق المبين يكشف له”
أقول: وهل وجد في الصحابة رضوان الله عليهم من يحتمل أن يكشف له النبي صلى الله عليه وسلم الحق المبين في هذه المسألة ويصرح له بأنه سبحانه ليس على العرش ولا فوق السموات ؟؟؟ إن وجد فانقلوه مسنداً وهيهات، وإن لم يوجد ولابد من هذا، فهل كان الصحابة كلهم بهذه الصفة “” تركي أو هندي[الظاهر أنه يعني أنه لا يفقه اللغة جيداً] ، أو رجل بليد جلف الطبع”” ؟؟
يعني هل عدم فيهم من يتصف بالكمال الذهني والعقلي بحيث يحتمل أن يكشف له هذا؟ا!؟
لابد من “لا لم يعدم فيهم”، إذاً لم لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم لهم هذا !!هل من جواب ؟؟ وماذا عن التابعين وتابعيهم ومن تابعهم الذي لم ينطق واحد منهم بنفي العلو فهل كلهم بهذه الصفة؟ أهذه خير أمة؟؟ فكيف إذا علمنا أن جهماً لما ادعى أنه سبحانه في كل مكان أجابه كثير ممن أدرك قوله من تابعين وأتباع : بل هو في السماء بل هو على العرش نعرف ربنا فوق السماء على العرش إلخ
وحقيقة مذهب هؤلاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين الحق ولا أوضحه لأمته ، مع أمره صلى الله عليه وسلم أمته أن يعرفوا الحق ويعتقدوه ، لكنه لم يبينه لهم بل دلهم على نقيضه ، والمطلوب اعتقاد مالم يدل كلامه صلى الله عليه وسلم عليه بل دل على نقيضه!!!
قال ابن تيميه رحمه الله : ((فمن المحال في العقل والدين أن يكون السراج المنير الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور وأنزل معه الكتاب بالحق ؛ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وأمر الناس أن يردوا ما تنازعوا فيه من أمر دينهم إلى ما بعث به من الكتاب والحكمة وهو يدعو إلى الله وإلى سبيله بإذنه على بصيرة وقد أخبر الله بأنه أكمل له ولأمته دينهم وأتم عليهم نعمته – محال مع هذا وغيره : أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله والعلم به ملتبسا مشتبها ولم يميز بين ما يجب لله من الأسماء الحسنى والصفات العليا وما يجوز عليه وما يمتنع عليه . فإن معرفة هذا أصل الدين وأساس الهداية وأفضل وأوجب ما اكتسبته القلوب وحصلته النفوس وأدركته العقول فكيف يكون ذلك الكتاب وذلك الرسول وأفضل خلق الله بعد النبيين لم يحكموا هذا الباب اعتقادا وقولا ومن المحال أيضا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أمته كل شيء حتى الخراءة وقال : ” تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ” وقال فيما صح عنه أيضا : ” ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم ” . وقال أبو ذر : لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما . وقال عمر بن الخطاب : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فذكر بدء الخلق ؛ حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه … ومحال مع تعليمهم كل شيء لهم فيه منفعة في الدين – وإن دقت – أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم ويعتقدونه في قلوبهم في ربهم ومعبودهم رب العالمين الذي معرفته غاية المعارف وعبادته أشرف المقاصد والوصول إليه غاية المطالب . بل هذا خلاصة الدعوة النبوية وزبدة الرسالة الإلهية فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول على غاية التمام ثم إذا كان قد وقع ذلك منه : فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه . ثم من المحال أيضا أن تكون القرون الفاضلة – القرن الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم – كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول وإما اعتقاد نقيض الحق وقول خلاف الصدق . وكلاهما ممتنع . ))إلخ كلامه المهم فليراجع في الفتوى الحموية.
ج- وقد اعترف أيضاً في نص سيأتي -وقد استفدت الإحالة عليه من المعلمي رحمه الله- أن إثبات العلو لا يتميز عن الأوليات القطعيات بل تشهد به الفطرة كما تشهد بالأوليات العقلية!!! ، وأقول: إن كانت تشهد به الفطرة فلما لم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم حرفاً واحداً صريحاً في تبيين الحق وإنقاذ الناس عن الضلال الذي فطرهم الله عليه؟؟ حاشاه بأبي هو وأمي أن يتركهم في ظلمات الضلال وهو المبعوث ليخرجهم من الظلمات إلى النور.
د-ثم اعترف الغزالي في نص رابع يأتي أن عدم تأويل الجهة يعني إثبات العلو هو قول الإمام أحمد بن حنبل واعتذر عنه بأن الإمام لم يكن ممعنا في النظر العقلي يعني علم الكلام!! فعيب أحمد إمام أهل السنة كان في ترك الكلام الموروث عن بعض الفلاسفة ، وإمعانه في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم المشتمل على زبدة وأصح الأدلة العقلية التي يحتاجها المسلم!!، لكن ما ضر الإمام إن تبع ما لا يتميز عن الأوليات القطعيات بل تشهد به الفطرة كما تشهد بالأوليات العقلية!!! وقبل هذا تشهد له نصوص الكتاب والسنة ولم يأخذ بمذهب لم ينطق الرسول صلى الله عليه وسلم به قط كما اعترف الغزالي نفسه؟ ماذنبه؟؟
أما قوله بأن العلو لا يتميز عن الأوليات القطعيات بل تشهد به الفطرة كما تشهد بالأوليات العقلية فقد قال الغزالي في المستصفى ج1 ص46:
“السادس : الوهميات وذلك مثل قضاء الوهم بأن كل موجود ينبغي أن يكون مشارا إلى جهته فإن موجوداً لا متصلا بالعالم ولا منفصلا عنه ولا داخلا ولا خارجا محال وأن إثبات شيء مع القطع بأن الجهات الست خالية عنه محال ، … ومن هذا القبيل نفرة الطبع عن قول القائل ليس وراء العالم خلاء ولا ملاء وهاتان قضيتان وهميتان كاذبتان والأولى منهما ربما وقع لك الأنس بتكذيبها لكثرة ممارستك للأدلة العقلية الموجبة لإثبات موجود ليس في جهة …وهذه القضايا مع أنها وهمية فهي في النفسلاتتميز عن الأوليات القطعية … بل تشهد بها أول الفطرة كما يشهد بالأوليات العقلية”.
قال المعلمي معلقاً على كلامه: أما أن القضية بديهية فطرية فحق لا ريب فيه. وأما زعم أنها وهمية فباطل فإن القضايا الوهمية من شأنها أن ينكشف حالها بالنظر انكشافاً واضحاً ومن شأن الشرع إذا كانت ماسة بالدين كهذه أن يكشف عنها. وكلا هذين منتف أما الشرع فإنما جاء بتقرير هذه القضية وتثبيتها وتأكيدها بنصوص صريحة تفوق الحصر ، بل أصل بناء الشرائع على نزول الملك من عند الله عز وجل بالوحي على أنبيائه.
وأما النظر فقد اعترف الغزالي بأن أقصى ما يمكن من مخالفته لهذه القضية أنه ربما حصل الإنس بتكذيبها!! لمن كثرت ممارسته للأدلة العقلية!! ففي هذا : أن تلك الأدلة كلها فضلاً عن بعضها لا تثمر اليقين ولا يقرب منه ولا ما يشبهه وإنما غايتها أنه ربما حصل الإنس بتكذيبها لمن كثرت ممارسته لها. الخ وأنظر بقية كلامه في القائد ص208.
وقد وجدت كلام الغزالي السابق في محك النظر أيضاً ص105-106 من طبعة دار الفكر.
أما بخصوص الإمام أحمد فقد قال في فيصل التفرقة ص66: ((وإنما اقتصر أحمد على تأويل هذه الأحاديث[ولم يثبت هذا عنه] لأنه لم يظهر عنده الاستحالة إلا في هذا القدر، لأنه لم يكن ممعنا في النظر العقلي!! ، ولو أمعن لظهر له ذلك في الاختصاص بجهة فوق وغيره مما لم يأوله))
31-اعتراف العز بن عبد السلام الأشعري الكبير: قال في قواعد الأحكام( 1/202 ) ((وكل ذلك مما لا يمكن تصويب للمجتهدين فيه بل الحق مع واحد منهم , والباقون مخطئون خطأ معفوا عنه لمشقة الخروج منه والانفكاك عنه , ولا سيما قول معتقد الجهة فإن اعتقاد موجود ليس بمتحرك ولا ساكن ولا منفصل عن العالم ولا متصل به , ولا داخل فيه ولا خارج عنه لا يهتدي إليه أحد بأصل الخلقة في العادة , ولا يهتدي إليه أحد إلا بعد الوقوف على أدلة صعبة المدرك عسرة الفهم فلأجل هذه المشقة عفا الله عنها في حق العامي ولذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يلزم أحدا ممن أسلم على البحث عن ذلك بل كان يقرهم على ما يعلم أنه لا انفكاك لهم عنه , وما زال الخلفاء الراشدون والعلماء المهتدون يقرون على ذلك مع علمهم بأن العامة لم يقفوا على الحق فيه ولم يهتدوا إليه, وأجروا عليهم أحكام الإسلام من جواز المناكحات والتوارث والصلاة عليهم إذا ماتوا وتغسيلهم وتكفينهم وحملهم ودفنهم في مقابر المسلمين , ولولا أن الله قد سامحهم بذلك وعفا عنه لعسر الانفصال منه ولما أجريت عليهم أحكام المسلمين بإجماع المسلمين , ومن زعم أن الإله يحل في شيء من أجساد الناس أو غيرهم فهو كافر لأن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسم على الناس فإنهم لا يفهمون موجودا في غير جهة بخلاف الحلول فإنه لايعم الابتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل ولا يعفى عنه))
وقد استفدته من الشيخ عبد الله الخليفي من هنا:
[FONT=’Arial’,’sans-serif’]http://www.alukah.net/majles/showthread.php?t=5335[/font]
وفي النص السابق :
1- أن معتقد الجهة مخطأ خطأ معفوً عنه لأن اعتقاد النفي ليس بفطري!! ولا يقال به إلا بعد الوقوف على أدلة صعبة الفهم عسيرة المدرك!!
2- قوله “بل كان يقرهم على ما يعلم أنه لاانفكاك لهم عنه، وما زال الخلفاء الراشدون والعلماء المهتدون يقرون على ذلك” يعني الرسول صلى الله عليه وسلم يقرهم على هذا فأيها أهدى يا عقلاء من كان النبي عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدون يقروا قوله أم الذي لم ينطق نبي ولا صحابي ولا تابعي قط بقوله!؟.
ثم قوله” مع علمهم بأن العامة لم يقفوا على الحق إلخ” دعوى غير مبرهنة و لا يستطيع أن يبرهن عليه من كلامهم ، بل لا يستطيع هؤلاء ومن وافقهم أن يأتوا عن الأنبياء عليهم السلام بكلمة واحدة توافق ما يقولونه من النفي ، وكذا عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم بل يعترف النفاة أن ظاهر كلام الله ورسوله مع أهل الإثبات ، كما قال الرازي في أصول الدين ص44 ط الأزهرية : ((وأما الظواهر النقلية المشعرة بالجسمية والجهة فالجواب الكلي عنها ان القواطع العقلية دلت على امتناع الجسمية والجهة ، والظواهر النقلية مشعرة بحصول هذا المعنى والجمع بين تصديقهما محال..))إلخ وبنحوها في المحصل ص158 وغيره كثير.
قوله ((ولولا أن الله قد سامحهم بذلك وعفا عنه لعسر الانفصال منه)) هذا التعليل هزيل و غير صحيح والصواب أنه الحق من رب العالمين ولو كان باطلاً لما جعل الله فطر الناس تقرر الباطل ولا تستطيع الفكاك منه إلا بأدلة عسرة الفهم لم يبينها نبيه صلى الله عليه وسلم! و لما سكت النبي صلى الله عليه عن التصريح بالحق ولومرة! ولو كان باطلاً فلم لم ينطق صاحبي ولا تابعي بهذا الحق ولو مرة ؟؟ وقولنا مرة واحدة هو على التنزل الشديد فإنه لو كان ضلالاً حقاً لا يجوز اعتقاده كما تقولون لتواتر عنهم رضي الله عنهم التحذير من اعتقاده ولأيقظوا الغافلين، وعلموا الجاهلين، وأشاعوا ذلك بين المسلمين، بل بين العالمين!!، كما يفعل أهل الكلام أنفسهم ، وهذا لم يقع قط.
وحقيقة مذهب هؤلاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين الحق ولا أوضحه لأمته ، مع أمره صلى الله عليه وسلم أمته أن يعرفوا الحق ويعتقدوه! ، وليته اكتفى بعدم التبيين بل دلهم على نقيضه ، فالمطلوب اعتقاد مالم يدل كلامه صلى الله عليه وسلم عليه بل دل عليه نقيضه!!!
والنص يحتمل التعليق بأكثر من هذا وما مضى يكفي المنصف طالب الحق.
32- اعتراف البغدادي الأشعري : قال في كتابه أصول الدين ص113 : ((ومنهم من قال: إن استواءه على العرش كونه فوق العرش بلا مماسة، وهذا قول القلانسي وعبد الله بن سعيد[وهو ابن كلاب]، ذكره في كتاب الصفات)) والقلانسي المذكور قد مر ذكره من مثبتة العلو فيما سبق. وينتبه إلى ان نفي المماسة لا يعني نفي العلو بالضرورة وقد ذهب لنفي المماسة جماعة من مشاهير مثبتة العلو كالحافظ السجزي والتيمي وغيرهم وليس هذا مقام تحرير الموقف من هذا اللفظ فليراجع ما كتبه الدكتور الدكتور جابر بن ادريس في كتابه مقالة التشبيه ج1 من ص430 إلى 443.
وقول ابن كلاب الذي أشار له البغدادي نقله ابن القيم وقبله شيخ الإسلام وأشار له الذهبي وأثبته هنا للفائدة: قال ابن فورك في كتابه “مقالات الشيخ الإمام أبي محمد عبد الله بن سعيد” :
((وقال-يعني ابن كلاب-في كتاب الصفات في بيان القول في الاستواء: ” فرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صفوة الله من خلقه، وخيرته من بريته، وأعلمهم جميعا به، يجيز السؤال بأين، ويقوله، ويستصوب قول القائل: انه في السماء، ويشهد له بالإيمان عند ذلك، وجهم بن صفوان وأصحابه لا يجيزون الأين زعموا، ويحيلون القول به، ولو كان خطأ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحق بالإنكار له، وكان ينبغي أن يقول لها: لا تقولى ذلك فتوهمين أن الله عز وجل محدود، وأنه في مكان دون مكان، ولكن قولى إنه في كل مكان لأنه الصواب دون ما قلت!! [أقول: أو يقول بل قولي بان الله ليس بداخل ولا خارج العالم إلخ وحاشاه من الكذب ]، كلا لقد أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع علمه بما فيه وانه أصوب الأقاويل، والأمر الذى يجب الإيمان لقائله، ومن أجله شهد لها بالإيمان حين قالته، فكيف يكون الحق في خلاف ذلك، والكتاب ناطق به وشاهد له؟!؟.
ولو لم يشهد لصحة مذهب الجماعة في هذا الفن خاصة إلا ما ذكرنا من هذه الأمور لكان فيه ما يكفي، كيف وقد غرس في بنيه الفطرة ومعارف الآدميين من ذلك مالا شيء أبين منه ولا أوكد؟ لأنك لا تسأل أحدا من الناس عنه، عربيا ولا عجميا، ولا مؤمنا ولا كافرا فتقول: أين ربك؟ إلا قال: في السماء إنأفصح، أو أومأ بيده أو أشار بطرفه إن كان لا يفصح، لا يشير إلى غير ذلك من أرض ولا سهل ولا جبل، ولا رأينا أحدا داعيا له إلا رافعا يديه إلى السماء، ولا وجدنا أحدا غير الجهمية يسأل عن ربه فيقول: في كل مكان كما يقولون، وهم يدعون أنهم أفضل الناس كلهم فتاهت العقول، وسقطت الأخبار، واهتدى جهم وحده وخمسون رجلا معه، نعوذ بالله من مضلات الفتن!!”
ثم قال ابن فورك تعليقاً على هذا الكلام: ((فقد حقق رحمه الله في هذا الفصل شيئاً من مذاهبه أحدها: إجازة القول بأين الله؟ في السؤال عنه والثاني: صحة الجواب عنه بأن يقال في السماء والثالث أن ذلك يرجع فيه إلى الإجماع من الخاصة والعامة)) ثم قال كلاماً في محاولة تأويل كلامه فأنظره وأنظر لتعليق ابن تيميه عليه في نقض التأسيس ص51-56 تحقيق الدويش.
33- نص كلام ابن فورك في شرح أوائل الأدلة :
لابن فورك قول بتأويل العلو مذكور في مشكل الحديث وبيانه ، وقول بالإثبات أشار له القرطبي في كتابه الأسنى ج2/122-123 حيث نقل القرطبي قول أبو بكر محمد بن الحسن الحضرمي القيرواني المالكي في رسالته الإيماء إلى مسألة الإستواء قال :
((..السادس قول الطبري وابن أبي زيد والقاضي عبد الوهاب[تلميذ الباقلاني شارح رسالة ابن أبي زيد] وجماعة من شيوخ الحديث والفقه وهو ظاهر بعض كتب القاضي أبي بكر رضي الله عنه [يعني الباقلاني] وأبي الحسن [يعني الأشعري شيخ المذهب] وحكاه عنه أعني عن القاضي أبي بكر[الباقلاني] القاضي عبد الوهاب نصاً وهو أنه مستو على العرش بذاته وأطلقوا في بعض الأماكن “فوق عرشه”.
قال الإمام أبو بكر-صاحب الإيماء-: وهو الصحيح الذي أقول به من غير تحديد ولا تمكين في مكان ولا كون فيه ولا مماسة[رحم الله صاحب الإيماء وغفر الله لنا وله ، وأجزل مثوبته على اختياره لهذا القول الصحيح، ولا حاجة بعد ذلك لهذا التفصيل في النفي و لا للخوض في الألفاظ المجملة ونفي النقص المتوهم عن الله يكفي فيه ليس كمثله شيء وللذهبي تعليق على كلام صاحب الإيماء في العلو فلينظر]
قلت-القائل القرطبي-: هذا قول القاضي أبو بكر [يعني الباقلاني] في كتابه تمهيد الأوائل له.وقد ذكرناه ، وقاله الأستاذ أبو بكر بن فورك في شرح أوائل الأدلة،وهو قول ابن عبد البر والطلمنكي وغيرهما من الأندلسيين والخطابي في كتاب شعار الدين وقد تقدم ذلك))انتهى وقد نقل القرطبي نص كلام الخطابي في موضع آخر وقد نقلته في الرد10،ونصوص ابن عبد البر والطلمنكي مشهورة معروفة وكذا نص الباقلاني في التمهيد.
أما نص كلام ابن فورك فقد قال :
((وإن سألت فقلت : ” أين هو ؟ ” فجوابنا ” إنه في السماء ” كما أخبر في التنزيل عن نفسه بذلك فقال عز من قائل ** أأمنتم من في السماء } وإشارة المسلمين بأيديهم عند الدعاء في رفعها إليه . وأنك لو سألت صغيرهم وكبيرهم فقلت : ” أين الله ؟ ” لقالوا : ” إنه في السماء ” ولم ينكروا لفظ السؤال بـ ” أين ” . لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الجارية التي عرضت للعتق فقال أين الله ؟ فقالت في السماء مشيرة بها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها فإنها مؤمنة ، ولو كان ذلك قولا منكرا لم يحكم بإيمانها ولأنكره عليها . ومعنى ذلك أنه فوق السماء لأن ” في ” بمعنى فوق . قال الله تعالى ** فسيحوا في الأرض } أي فوقها)) مجموع الفتاوي (16/90). وهو على خلاف قوله في تأويل مشكل الحديث ولابن تيميه تعليق مهم على اختلاف قول ابن فورك فلينظر في المرجع السابق وقد استفدت الإحالة على النص في مجموع الفتاوى من الشيخ المحمود في كتابه القيم “موقف ابن تيميه من الأشاعرة”.
يتبع قول ابن رشد “الجد”
حيث قال في كتابه الشرح الكبير على المقنع عند كلامه على شروط الذبح و من بينها : ( أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح وهو ان يقول بسم الله لا يقوم غيرها مقامها … ) ثم قال بعد ذلك :
” (مسألة)
(الا الاخرس فانه يومئ برأسه إلى السماء) قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على اباحة ذبيحة الاخرس منهم الليث والشافعي واسحاق وأبو ثور وهو قول الشعبي وقتادة والحسن بن صالح.
إذا ثبت هذا فانه يشير إلى السماء برأسه لان إشارته تقوم مقام نطق الناطق واشارته إلى السماء تدل على قصده تسمية الذي في السماء ونحو هذا قال الشعبي وقد دل على هذا حديث أبي هريرة ان رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية أعجمية فقال يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة أفأعتق هذه؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أين الله؟ ” فأشارت إلى السماء فقال ” من أنا؟ ” فأشارت باصبعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والى السماء أي انت رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اعتقها فانها مؤمنة ” رواه الامام أحمد والقاضي البرتي في مسنديهما فحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايمانها باشارتها إلى السماء تريد ان الله سبحانه فيها ” اهـ ج 11 ص 59
34 – قول شيخ الشافعية الإمام الحافظ و المفسر الجهبذ أبو المظفر منصور بن محمد السمعاني الشافعي – ت 489 هـ –
قال رحمه الله في تفسيره :
” قوله تعالى ” يخافون ربهم من فوقهم ” قال بعضهم معناه يخافون عذاب ربهم من فوقهم والقول الثاني -وهو الأصح- أن هذه صفة العلو التي تفرد الله بها وهو كما وصف به نفسه من غير تكييف ” الجزء 3 ص 177
قال في المقدمات الممهدات 1/20-21 بعد أن ذكر عشراً من الصفات أجمع أهل السنة عليها عنده وهي الصفات السبع المعروفة بالإضافة لصفة إدراك الشم والذوق واللمس! ثم ذكر ان إثبات العينين والوجه واليدين هو قول المحققين ثم نفى بعض الألفاظ المجملة ثم قال: ((فعلى هذا تأتي صفات ذاته خمس عشرة صفة)) ثم قال:
((واختلفوا فيما وصف به نفسه من الاستواء على العرش ، فمنهم من قال إنها صفة فعل بمعنى أنه فعل في العرش فعلاً سمى به نفسه مستوياً على العرش. ومنهم من قال إنها صفة ذات من العلو ، وأن قوله استوى بمعنى علا ، كما يقال استوى على الفرس بمعنى علا عليه. وأما من قال أن الاستواء بمعنى الاستيلاء فقد أخطأ لأن الاستيلاء لا يكون إلا بعد المغالبة والمقاهرة ، والله يتعالى عن أن يغالبه أحد.
وحمل الاستواء على العلو والارتفاع أولى ما قيل ، كما يقال استوت الشمس في كبد السماء أي علت ، ولا يمتنع أن يكون صفة ذات وإن لم يصح وصفه تعالى بها إلا بعد وجود العرش كما لا يوصف بأنه غير لما غايره إلا بعد وجود سواه.))انتهى
وفي هذا النص:
1- إثباته لعلو الله سبحانه على العرش العلو الذاتي وذكر أكثر من مثال للمعنى المراد بحيث لم يترك مجالا للقرمطة ، فقال: كما يقال استوى على الفرس بمعنى علا عليه ، ،و كما يقال استوت الشمس في كبد السماء أي علت ، ومراده واضح لا شك فيه.
2- ومع هذا فهو-كسائر الكلابية مثبتة العلو- لا يرى أن هذا يقتضي قيام معنى متجدد به بل هو فوق العرش حقيقة من غير قيام معنى حادث بل هي نسبة وإضافة قال ((فلا يمتنع أن يكون صفة ذات وإن لم يصح وصفه تعالى بها إلا بعد وجود العرش كما لا يوصف بأنه غير لما غايره إلا بعد وجود سواه!))وكما -أيضاً -لا يسمع –عند جمهورهم- الصوت إلا بعد وجود الصوت والمتجدد نسبة وإضافة عدمية!! وهذا باطل لا شك فيه وهومن أباطيل الكلابية وإثباته للعلو حق لا شك فيه وهو من حسنات الكلابية لكنه تجسيم أو تشبيه عند متأخري الأشعرية!!.
3- الخلاف المذكور في كلامه إنما هو خلاف أهل الكلام أما أئمة أهل السنة كإمامه مالك وأحمد والشافعي ومن قبلهم من صحابة وتابعين ومن بعدهم من أئمة أهل السنة ممن لم يتلطخ بدخن الكلام وأهله فليس عندهم في هذه المسألة إلا قول واحد والحمد لله على نعمة الهداية.
4- ذكر أن بعضهم قال إنها صفة فعل وبين مرادهم بصفة الفعل فقال : بمعنى أنه فعل في العرش فعلاً سمى به نفسه مستوياً على العرش! وفيه ما فيه فإنه إن كان الذي قام به الفعل هو العرش فيصبح الفعل صفة العرش لأن من المستقر في فطر الناس أن من قام به العلم فهو عالم ومن قامت به القدرة فهو قادر ومن قامت به الحركة فهو متحرك ومن قام به التكلم فهو متكلم ومن قامت به الإرادة فهو مريد وقال أهل السنة إذا كان الكلام مخلوقا كان كلاما للمحل الذي خلقه فيه كسائر الصفات فهذه القاعدة مطردة وكذلك فيه أن الفعل هو المفعول وهذا باطل.
وقد أغضب كلام ابن رشد الجد هذا في مسألة الاستواء بعض أشعرية عصره فصنف أحدهم في الرد عليه فقد ذُكر في الديباج المذهب والإحاطة في أخبار غرناطة أن معاصره محمد بن خلف موسى المتكلم-وهو أشعري متيم بالجويني- قد رد عليه بمصنف سموه ” الرد على أبي الوليد بن رشد في مسألة الاستواء الواقعة في الجزء الأول من مقدماته”
هذا موقفه في المقدمات أما في كتابه البيان والتحصيل ففي الجزء 16/368-369 في شرح قول مالك في الاستواء تعرض لهذه المسألة وتكلم بمثل ما تكلم به هناك فذكر ان معنى الاستواء العلو كما يقال استوى فلان على العرش أي علا عليه واستوت الشمس في كبد السماء علت ، وضعف قول من قال إنه الاستيلاء او فعل فعلاً في العرش أو القصد ، وذكر أن العرش أعلى المخلوقات مكاناً وهو أشرفها مرتبة فإذا كان الله أعلى منه فهو أعلى من كل شيء دون العرش في الارتفاع والعلو والشرف والرتبة وفي هذا جمع حسن بين علو الذات وبين علو الشرف والرتبة ولا يظن ظان أنه ينفي علو الذات فكلامه صريح جداً في إثبات هذا. وقد نفى الجلوس والمماسة والتحيز والصواب السكوت عن ما سكت الشارع عنه والابتعاد عن الألفاظ المجملة ويكفي في تنزيه الله عن النقائص قوله تعالى: ((ليس كمثله شيء)).
ملاحظة : وقع في البيان والتحصيل 16/402 ذكر آية الاستواء وكذلك النظر((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ()إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)) ضمن آيات مما يقتضي ظاهرها التشبيه! ومما تتأول! ولا أدري هل هي وهلة ، وسبق قلم أم لعله يعني الظاهر الفاسد عنده كالجلوس والمماسة وإلا فآية النظر-على سبيل المثال- قد استدل بها ابن رشد في 18/480 على إثبات الرؤية وذكر أنها على الحقيقة لا المجاز! وقد كرر هذا مع الاستواء أيضاً في 18/506 وقد يكون لابن رشد في المسالة قولان قول بالإثبات وآخر وافق فيه النفاة في بعض ثنايا قوله وهذا غير مستحيل وإن كان بعيداً لكن قوله بالإثبات واضح وضوح الشمس والله اعلم.
36- قول الزمخشري:
غلب نداء الفطرة الزمخشري المعتزلي المعتصب المتصلب في إعتزاليته فقال كلاماً مضمونه إثبات الفوقية قال في تفسير قوله تعالى : ((أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ))
قال الزمخشري: ( أَمْ لَهُم مُّلْكُ السماوات والأرض) حتى يتكلموا في الأمور الربانية والتدابير الإلهية التي يختص بها ربّ العزّة والكبرياء ، ثم تهكم بهم غاية التهكم فقال : وإن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق والتصرف في قسمة الرحمة ، وكانت عندهم الحكمة التي يميزون بها بين من هو حقيق بإيتاء النبوّة دون من لا تحق له ( فَلْيَرْتَقُواْ فِى الأسباب) فليصعدوا في المعارج والطرق التي يتوصل بها إلى العرش ، حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم وملكوت الله ، وينزلوا الوحي إلى من يختارون ويستصوبون))
وقال ابن المنير في الانتصاف متعقباً كلام الزمخشري وهو على طريقة النفاة من الأشعرية: ((الاستواء المنسوب لله ، ليس مما يتوصل إليه بالصعود في المعارج والوصول إلى العرش والاستقرار عليه والتمكن فوقه …وليست عبارة الزمخشري في هذا الفصل مطابقة للمفصل على جاري عادته في تحرير العبارة على مراده)) وقد استفدته من كتاب المسائل الاعتزالية في تفسير الكشاف للشيخ صالح الغامدي 2/839-850
وقد ذكر ابن تيميه في الدرء أن من المعتزلة المتأخرين-من تلاميذ القاضي عبد الجبار فيما أذكر- من أثبت العلو بالأدلة العقلية وقد بحثت عن كلامه فلم أظفر به الآن لكني متأكد أنه في الدرء والله اعلم.
37- قول ابن الجوزي:
نقل الذهبي في السير21/376 أنه كان يقول: ((أهل الكلام يقولون: ما في السماء رب، ولا في المصحف قرآن، ولا في القبر نبي، ثلاث عورات لكم.)) وكذا نقله في تاريخ الإسلام وابن رجب في ذيله على طبقات الحنابلة
وفي قصيدته الدالية في السنة:
وهو على العرش كما أخبر * نا وكرر القول على العباد
نزوله إلى السماء ثابت في * الليل فاهجر لذة الرقاد
مقدمة تلبيس إبليس1/101 مع العلم باضطرابه إجمالاً في مسائل الصفات لكن هذا ما وافق فيه الحق.
38 – قول الإمام المفسر الفقيه عز الدين ابي محمد عبد الرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي – ت 661 هـ –
قال رحمه الله في قصيدته في السنة :
و قل ان ربي في السماء قد استوى === على العرش و اقطع كل وهمٍ وزائل
و أطلق جواز الأين فالنص ثابتٌ ==== صحيح صريحٌ ظاهرٌ غير خامل
من قصيدته في ذم الدنيا و مدح السنة بتعليق عمار تمالت
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=161432
و للإمام الرسعني رحمه الله تفسير ضخم اسمه ” رموز الكنوز ” أبان فيه عن منهج السلف في الصفات فرحمه الله تعالى و رضي عنه
39 – قول الشيخ الإمام العلامة الفقيه يحيى بن أبي الخير بن سالم بن أسعد بن يحيى العمراني شيخ الشافعية باليمن – ت 558 هـ – , صاحب كتاب البيان في فقه الشافعية الذي احتفى به أئمة الشافعية بعده و عدوه من مناقبه الكبيرة
قال رحمه الله في كتابه الحافل العجيب : ” الإنتصار في الرد على القدرية الأشرار ”
( قد ذكرنا في أول الكتاب ان عند اصحاب الحديث و السنة ان الله سبحانه بذاته بائن عن خلقه على العرش استوى فوق السماوات ) ص 607
ثم ذكر اقوال الفرق كالمعتزلة الى ان قال :
( وقالت الأشعرية : لا يجوز وصفه انه على العرش و لا انه في السماء ) ج2 ص 609
ثم أورد أدلة العلو من الكتاب و السنة و أطال في تقرير ذلك , رحمه الله .
و رد على الغزالي قوله ان رفع الأيدي في الدعاء لأن السماء قبلة الدعاء فقال رحمه الله :
( و هذا تمويه منه و معاندة لما ورد في القرآن و السنة و ما عليه العلماء من الصحابة و التابعين
و أما قوله ” ان السماء قبلة الدعاء ” فيقال له : لو كان هذا كما قلت لم يصح الدعاء الا لمن توجه بيديه الى السماء كما لا تصح الصلاة الا لمن توجه الى الكعبة ) اهـ ج2 ص 623
**********************
و بك بارك الله
**********************
40 – قول الإمام العلامة الفقيه المفسر شرف الإسلام شيخ الحنابلة بالشام أبي القاسم عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد الشيرازي الشهير بابن الحنبلي – ت 536 هـ – له رسالة مجيدة في الرد على الأشعرية سماها ” الرسالة الواضحة في الرد على الأشاعرة ”
قال رحمه الله :
( و كل ما وصف الله به نفسه في كتابه و جميع أسمائه و صفاته حق الإيمان به واجبٌ , و الكلام فيه بدعة مثل قوله ” و السموات مطويات بيمينه ” و قوله ” بل يداه مبسوطتان ” و قوله ” الرحمن على العرش استوى ” و قوله ” و جاء ربك و الملك صفا صفا ” و ما أشبه ذلك ففي القرآن مثل ذلك كثير) ص 497 من الرسالة الواضحة