الترجمة من الضوء اللامع للسخاوي ج4ص65
203 – عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن خَلِيل ابْن نصر بن الْخضر بن الْهمام الْجلَال بن الْكَمَال بن نَاصِر الدّين السُّيُوطِيّ الأَصْل الطولوني الشَّافِعِي الْآتِي أَبوهُ وَيعرف بِابْن الأسيوطي.
ولد فِي أول لَيْلَة مستهل رَجَب سنة تسع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَأمه أمة تركية،
وَنَشَأ يَتِيما فحفظ الْقُرْآن والعمدة والمنهاج الفرعي وَبَعض الْأَصْلِيّ وألفية النَّحْو وَعرض فِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَأخذ عَن الشَّمْس مُحَمَّد بن مُوسَى الْحَنَفِيّ إِمَام الشيخونية فِي النَّحْو وَعَن الْفَخر عُثْمَان المقسي والشموس البامي وَابْن الفالاتي وَابْن يُوسُف أحد فضلاء الشيخونية والبرهانين العجلوني وَفِيمَا قيل النعماني بَعضهم فِي الْفِقْه وَبَعْضهمْ فِي النَّحْو ثمَّ ترقى حَتَّى قَرَأَ فِي بعض الْمُتُون الْفِقْهِيَّة على الْعلم البُلْقِينِيّ وَحضر عِنْد الشّرف الْمَنَاوِيّ يَسِيرا)
جدا ولمح لَهُ بالأدب حَيْثُ قَالَ لَهُ وَقد تألم من جُلُوسه فَوق ملا على كُنَّا وَنحن صغَار لَا نجلس إِلَّا خلف الْحلقَة، فل كَلِمَات من هَذَا النمط وَحِينَئِذٍ انْقَطع وَأخذ عَن كل من السَّيْف والشمني والكافياجي الحنفيين شَيْئا من فنون وفيهَا زعم عَن الشهَاب الشارمساحي بعض شَرحه لمجموع الكلائي وَعَن الْعِزّ الميقاتي رِسَالَة لَهُ فِي الْمِيقَات وَعَن مُحَمَّد بن ابراهيم الشرواني الرُّومِي الطَّبِيب بِالْقَاهِرَةِ مختصرين فِي الطِّبّ لِابْنِ جمَاعَة وَعَن الْعِزّ الْحَنْبَلِيّ دروسا فِي الْأُصُول من جمع الْجَوَامِع انْتهى. ولازمني دهرا وَكتب إِلَى فِي نثر طَوِيل: وَقد تطفلنا على شُمُول سخائه وأنخنا ركاب شدتنا برحاب رخائه، بل مدحني بِغَيْر ذَلِك من نظم ونثركما بَينته فِي مَوضِع آخر، وَكَذَا تردد يَسِيرا جدا للزين قَاسم الْحَنَفِيّ والبقاعي وتدرب بالشهاب المنصوري وَغَيره فِي النّظم وَسمع على بقايا من المسندين كالقمصي والحجازي والشاوي والملتوني ونشوان وَهَاجَر، وَأَجَازَ لَهُ من حلب جمَاعَة مِنْهُم ابْن مقبل خَاتِمَة من أجَاز لَهُ الصّلاح بن أبي عمر وَلم يمعن الطّلب فِي كل مَا أَشرت إِلَيْهِ،
ثمَّ سَافر إِلَى الفيوم ودمياط والمحلة وَنَحْوهَا فَكتب عَن جمَاعَة مِمَّن ينظم كالمحيوي بن السَّفِيه والْعَلَاء بن الجندي الْحَنَفِيّ، ثمَّ إِلَى مَكَّة من الْبَحْر فِي ربيع الآخر سنة تسع وَسِتِّينَ فَأخذ قَلِيلا عَن الحيوي عبد الْقَادِر الْمَالِكِي واستمد من صاحبنا النَّجْم بن فَهد فِي آخَرين وَأذن لَهُ غير وَاحِد فِي الافادة والتدريس وساعده الْعلم البُلْقِينِيّ حَتَّى بَاشر تصدير الْفِقْه بالجامع الشيخوني المتلقي لَهُ عَن أَبِيه وَحضر مَعَه اجلاسه فِيهِ، ثمَّ انجمع وتمشيخ وخاض فِي فنون خُصُوصا هَذَا الشَّأْن واختلس حِين كَانَ يتَرَدَّد إِلَى مِمَّا عملته كثيرا كالخصال الْمُوجبَة للظلال والأسماء النَّبَوِيَّة وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَوْت الْأَبْنَاء وَمَا لَا أحصره،
بل أَخذ من كتب المحمودية وَغَيرهَا كثيرا من التصانيف الْمُتَقَدّمَة الَّتِي لَا عهد لكثير من العصريين بهَا فِي فنون فَغير فِيهَا يَسِيرا وَقدم وَأخر ونسبها لنَفسِهِ وهول فِي مقدماتها بِمَا يتَوَهَّم مِنْهُ الْجَاهِل شَيْئا مِمَّا لَا يُوفي بِبَعْضِه،
وَأول مَا أبرز جُزْءا لَهُ فِي تَحْرِيم الْمنطق جرده من مُصَنف لِابْنِ تَيْمِية واستعان بِي فِي أَكْثَره فَقَامَ عَلَيْهِ الْفُضَلَاء بِحَيْثُ كَفه الْعلم البُلْقِينِيّ عَنهُ وَأخذ مَا كَانَ اسْتَكْتَبَهُ بِهِ فِي المسئلة وَلَوْلَا تلطفي بِالْجَمَاعَة كالابناسي وَابْن الفالاتي وَابْن قَاسم لَكَانَ مَا لَا خير فِيهِ،
وَكَذَا درَّس جمعا من الْعَوام بِجَامِع ابْن طولون بل صَار يملي على بَعضهم مِمَّن لَا يحسن شَيْئا بِحَيْثُ كَانَ ذَلِك وَسِيلَة لمساعدة وَصِيّه شهَاب الدّين بن الضباح حَيْثُ رباه عِنْد برسباي أستادار الصُّحْبَة فَلَزِمَ إينال الْأَشْقَر رَأس نوبَة النوب)
حَتَّى قَرَّرَهُ فِي تدريس الحَدِيث بالشيخونية بعد وَفَاة الْفَخر عُثْمَان المقسي مَعَ تَركه ولدا وَكَذَا اسْتَقر فِي الأسماع بهَا وَلَيْسَ بموافق شَرط الْوَاقِف فيهمَا وَفِي مشيخة التصوف بتربة برقوق نَائِب الشَّام الَّتِي بِبَاب القرافة بعناية بلديه أبي الطّيب السُّيُوطِيّ وَغير ذَلِك، كل هَذَا مَعَ أَنه لم يصل وَلَا كَاد وَلذَا قيل إِنَّه تزبب قبل أَن يتحصرم،
وَأطلق لِسَانه وقلمه فِي شُيُوخه فَمن فَوْقهم بِحَيْثُ قَالَ عَن القَاضِي الْعَضُد إِنَّه لَا يكون ضعنة فِي نعل ابْن الصّلاح، وعزر على ذَلِك من بعض نواب الْحَنَابِلَة بِحَضْرَة فاضيهم،
وَنقص السَّيِّد والرضي فِي النَّحْو بِمَا لم يبد مُسْتَندا فِيهِ مَقْبُولًا بِحَيْثُ أَنه أظهر لبَعض الغرباء الرُّجُوع عَنهُ فانه لما اجْتمعَا قَالَ لَهُ قلت إِن السَّيِّد الْجِرْجَانِيّ قَالَ إِن الْحَرْف لَا معنى لَهُ أصلا لَا فِي نَفسه وَلَا فِي غَيره وَهَذَا كَلَام السَّيِّد نَاطِق بتكذيبك فِيمَا نسبته إِلَيْهِ فأوجدنا مستندك فِيمَا زعمته فَقَالَ انني لم أر لَهُ كلَاما ولكنني لما كنت بِمَكَّة تجاريت مَعَ بعض الْفُضَلَاء الْكَلَام فِي الْمَسْأَلَة فَنقل لي مَا حكيته وقلدته فِيهِ فَقَالَ هَذَا عَجِيب مِمَّن يتَصَدَّى للتصنيف كَيفَ يُقَلّد فِي مثل هَذَا مَعَ هَذَا الْأُسْتَاذ انْتهى.
وَقَالَ ان من قَرَأَ الرضى وَنَحْوه لم يترق إِلَى دَرَجَة أَن يُسمى مشاركا فِي النَّحْو. وَلَا زَالَ يسترسل حَتَّى قَالَ إِنَّه رزق التبحر فِي سَبْعَة عُلُوم التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه والنحو والمعاني وَالْبَيَان والبديع قَالَ وَالَّذِي أعتقده أَن الَّذِي وصلت إِلَيْهِ من هَذِه الْعُلُوم السِّتَّة سوى الْفِقْه والنقول الَّتِي اطَّلَعت عَلَيْهَا وفيهَا لم يصل إِلَيْهِ وَلَا وقف عَلَيْهِ أحد من أشياخي فضلا عَن من دونهم، قَالَ وَدون هَذِه السَّبْعَة فِي الْمعرفَة أصُول الْفِقْه والجدل وَالصرْف ودونها الانشاء والترسل والفرائض ودونها الْقرَاءَات وَلم آخذها عَن شيخ ودونها الطِّبّ وَأما الْحساب فأعسر شَيْء عَليّ وأبعده عَن ذهني وَإِذا نظرت فِي مسئلة تتَعَلَّق بِهِ فَكَأَنَّمَا أحاول جبلا أحملهُ، قَالَ وَقد كملت عِنْدِي آلَات الِاجْتِهَاد بِحَمْد الله إِلَى أَن قَالَ وَلَو شِئْت أَن أكتب فِي كل مسئلة تصنيفا بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية ومداركها ونقوضها وأجوبتها والمقارنة بَين اخْتِلَاف الْمذَاهب فِيهَا لقدرت على ذَلِك، وَقَالَ إِن الْعلمَاء الْمَوْجُودين يرتبون لَهُ من الأسئلة ألوفا فَيكْتب عَلَيْهَا أجوبة على طَريقَة الِاجْتِهَاد وَأَنه يرتب لَهُم من الاسئلة بِعَدَد الْعشْر فَلَا ينهضوا، وأفرد مصنفا فِي تيسير الِاجْتِهَاد لتقرير دَعْوَاهُ فِي نَفسه وَمَا أحسن قَول بعض الاستاذين فِي الْحساب مَا اعْترف بِهِ عَن نَفسه مِمَّا يُوهم بِهِ أَنه مُنصف أدل دَلِيل على بلادته وَبعد فهمه لتصريح أَئِمَّة الْفَنّ بِأَنَّهُ فن ذكاء وَنَحْو ذَلِك وَكَذَا قَول بَعضهم دَعْوَاهُ الِاجْتِهَاد ليستر خطأه وَنَحْو هَذَا قَوْله
وَقد اجْتمع مَعَه بعض الْفُضَلَاء ورام التَّكَلُّم مَعَه فِي مسئلة لَيْسَ فِي الامكان إِن بضاعتي فِي علم الْكَلَام مزجاة،
وَقَول آخر لَهُ أعلمني عَن آلَات الِاجْتِهَاد أما بَقِي أحد يعرفهَا فَقَالَ لَهُ نعم بَقِي من لَهُ مُشَاركَة فِيهَا لَا على وَجه الِاجْتِمَاع فِي وَاحِد بل مفرقا فَقَالَ لَهُ فاذكرهم لي وَنحن نجمعهم لَك ونتكلم مَعَهم فان اعْترف كل وَاحِد مِنْهُم لَك بِعِلْمِهِ وتميزك فِيهِ أمكن ان نوافقك فِي دعواك فَسكت وَلم يبد شَيْئا،
وَذكر أَن تصانيفيه زَادَت على ثلثمِائة كتاب رَأَيْت مِنْهَا مَا هُوَ فِي ورقة وَأما مَا هُوَ دون كراسة فكثير وَسمي مِنْهَا شرح الشاطبية وألفية فِي الْقرَاءَات الْعشْر مَعَ اعترافه بِأَنَّهُ لَا شيخ لَهُ فِيهَا، وفيهَا مِمَّا اختلسه من تصانيف شَيخنَا لباب النقول فِي أَسبَاب النُّزُول وَعين الاصابة فِي معرفَة الصَّحَابَة والنكت البديعات على الموضوعات والمدرج إِلَى المدرج وَتَذْكِرَة المؤتسي بِمن حدث وَنسي وتحفة النابه بتلخيص الْمُتَشَابه وَمَا رَوَاهُ الواعون فِي أَخْبَار الطَّاعُون والأساس فِي مَنَاقِب بني الْعَبَّاس وجزء فِي أَسمَاء المدلسين وكشف النقاب عَن الألقاب وَنشر العبير فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الشَّرْح الْكَبِير فَكل هَذِه تصانيف شَيخنَا وليته إِذْ اختلس لم يمسخها وَلَو نسخهَا على وَجههَا لَكَانَ أَنْفَع وفيهَا مِمَّا هُوَ لغيره الْكثير، هَذَا إِن كَانَت المسميات مَوْجُودَة كلهَا وَإِلَّا فَهُوَ كثير المجازفة
جَاءَنِي مرّة وَزعم انه قَرَأَ مُسْند الشَّافِعِي على القمصي فِي يَوْم فَلم يلبث أَن جَاءَ القمصي وَأَخْبرنِي مُتَبَرعا بِمَا تضمن كذبه حَيْثُ بَقِي مِنْهُ جانبا
وَكَذَا حكى عَن الْكَمَال أخي الْجلَال الْمحلي مناما كذبه الْكَمَال فِيهِ وَقَالَ لي الْبَدْر قَاضِي الْحَنَابِلَة لم أره يقْرَأ على شَيْخي فِي جمع الْجَوَامِع مَعَ شدَّة حرصي على ملازمته نعم كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ فِيهِ خير الدّين الريشي النَّقِيب فَقلت فَلَعَلَّهُ كَانَ يحضر مَعَه فَقَالَ لم أر ذَلِك، وَقَالَ انه عمل النفحة المسكية والتحفة المكية فِي كراسة وَهُوَ بِمَكَّة على نمط عنوان الشّرف لِابْنِ الْمقري فِي يَوْم وَاحِد وَإنَّهُ عمل ألفية فِي الحَدِيث فائقة ألفية الْعِرَاقِيّ إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يطول شَرحه كَقَوْلِه مِمَّا يصدق ان آفَة الْكَذِب النسْيَان فِي مَوضِع أَنه حفظ بعض الْمِنْهَاج الْأَصْلِيّ وَفِي آخر أَنه حفظ جَمِيعه وَأَنه بعد موت شَيخنَا انْقَطع الاملاء حَتَّى أَحْيَاهُ
وزعمه أَن الْمُبْتَدِئ بتقريره فِي الشيخونية هُوَ الكافياجي مَعَ قَوْله لي غير مرّة وَالله لَو لم يُقرر النَّاظر التركي أَو كنت مُنْفَردا بِالْأَمر مَا قَدمته لعلمي بانفراد غَيره بِالِاسْتِحْقَاقِ.
كل ذَلِك مَعَ كَثْرَة مَا يَقع لَهُ من التحريف والتصحيف وَمَا ينشأ عَن عدم فهم المُرَاد لكَونه لم يزاحم الْفُضَلَاء فِي دروسهم وَلَا جلس بَينهم فِي مسائهم وتعريسهم بل استبد بِأَخْذِهِ من بطُون الدفاتر والكتب وَاعْتمد مَا لَا يرتضيه من الاتقان صحب،
وَقد قَامَ عَلَيْهِ النَّاس كَافَّة لما ادّعى الِاجْتِهَاد وصنف هُوَ اللَّفْظ الْجَوْهَرِي فِي رد خباط الْجَوْجَرِيّ وَالْكر فِي خباط عبد الْبر وَغَضب الْجَبَّار على ابْن الْأَبَّار وَالْقَوْل الْمُجْمل فِي الرَّد على المهمل وَقبل ذَلِك مقَام إِبْرَاهِيم أَسَاءَ فِيهِ الْأَدَب على عَالم الْحجاز مِمَّا يسْتَحق التَّعْزِير عَلَيْهَا وَبَعضهَا أفحش من بعض، وَلم أر مِنْهَا سوى أَولهَا وَهُوَ مُشْتَمل على ازدراء كثير للجوجري ومزيد دَعْوَى يسْتَدلّ بِبَعْضِه على حمقه بل جنه
وَأما الرَّابِع فَهُوَ رد على من قَرَأَ قَول القَاضِي عِيَاض فِي آخر الشفا: ويخصنا بخصيصي بالتثنية بعد أَن كتب إِلَيْهِ ورقة فِيهَا اساءة وغلظة لَا تلِيق بمخاطبة طلبة الْعلم بِحَيْثُ كَانَ ذَلِك حَامِلا لَهُ على الاستفتاء عَلَيْهِ وَكتب بموافقته فِيمَا قَرَّرَهُ الْأمين الاقصرائي والعبادي والبامي والزين قَاسم الْحَنَفِيّ وَالْفَخْر الديمي وكاتبه وأفرد الْقَارئ جُزْءا سَمَّاهُ الْمفصل فِي الرَّد على الْمُغَفَّل بل أفرد بعض طلبة الْجَوْجَرِيّ شَيْئا فِي الِانْتِصَار لَهُ وَغَضب الْجَوْجَرِيّ مِمَّن توجه لذَلِك لما تضمن من التنويه بِذكر الْمُعْتَرض، وَكَذَا راسل الْكَمَال بن أبي شرِيف وملا على الْكرْمَانِي بِمَا لَا يَلِيق
وَأرْسل إِلَيْهِ الْخَطِيب الوزيري بولده للروضة ليعرض عَلَيْهِ فَرده مُعَللا ذَلِك بِأَنَّهُ لَا يستكمل أَبَاهُ للوصف بِكَذَا وَكَذَا وَكِتَابَة دون هَذَا لَا ترضيه، وَلما تكلم بعض الطّلبَة فِي تَكْفِير ابْن عَرَبِيّ قَالَ انه يُؤذن من الله بِحَرب وَمَا عَسى أَن يفعل فِيهِ الْحَاكِم وان الَّذِي يرَاهُ مِمَّا لَا يُوَافقهُ عَلَيْهِ المعتقد وَلَا المنتقد اعْتِقَاده وَتَحْرِيم النّظر فِي كتبه ثمَّ نقل عَنهُ انه قَالَ يحرم النّظر فِي كَلَامي.
وَهُوَ مِمَّن أَخذ هَذَا الْمَذْهَب عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن عمر المغربي النَّازِل بِالْقربِ من مدرسة قراقجا الحسني فقد تردد إِلَيْهِ دهرا إِلَى غير هَذَا. وَلَو شرحت أمره لَكَانَ خُرُوجًا عَن الْحَد.
وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ سريع الْكِتَابَة لم أزل أعرفهُ بالهوس ومزيد الترفع حَتَّى على أمه بِحَيْثُ كَانَت تزيد فِي التشكي مِنْهُ، وَلَا زَالَ أمره فِي تزايد من ذَلِك فَالله تَعَالَى يلهمه رشده
وَقد ساعده الْخَلِيفَة حَتَّى اسْتَقر فِي مشيخة البيبرسية بعد الْجلَال الْبكْرِيّ
وخمد من ثمَّ بل جمد بِحَيْثُ رام ستر نَفسه بقوله تركت الاقراء والافتاء وَأَقْبَلت على الله، وَزعم قبل ذَلِك انه رأى مناما يَقْتَضِي ذمّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ وَأمره خَلِيفَته الصّديق ر بحبسه سنة ليراجع الاقراء والافتاء حَيْثُ الْتِزَامه تَركهمَا وانه اسْتغْفر وَترك هَذَا الِالْتِزَام بِحَيْثُ لوجئ إِلَيْهِ بِفُتْيَا وَهُوَ مشرف على الْغَرق لأخذها ليكتب عَلَيْهَا
ثمَّ لم يلبث أَن قَالَ مَا تقدم، وفارقه المحيوي بن مغيزل لما رأى مِنْهُ الْجفَاء الزَّائِد بعد كَونه الْقَائِم بالتنويه بِهِ وَذكر عَنهُ من الحقد والأوصاف والتعاظم مَا يصدقهُ فِيهِ الْحَال
وَمن ذَلِك إِنَّه توسل عِنْد الامام البرهاني الكركي فِي تَعْيِينه لحجة كَانَت تَحت نظره فَأَجَابَهُ وزاده من عِنْده ضعف الأَصْل وَحضر إِلَيْهِ مَعَ الْعلم سُلَيْمَان الخليفتي لقبض ذَلِك فَمَا قَالَ لَهُ جزيت خيرا وَلَا أبدي كلمة مؤذنة بشكره،
وَنقل لَهُ مرّة عَن السنباطي بعد مَوته مَا يُؤذن بجفاء مِنْهُ فَقَالَ فَلم لم تعلمني بِهَذَا الا بعد مَوته فَقَالَ لتعلم بواطن الرِّجَال هَذَا مَعَ مزِيد احسانه إِلَيْهِ سِيمَا فِي زمن الغلاء وَقطع خبز الشيخونية وطعامها بِحَيْثُ كَانَ يُعْطِيهِ فِي كل أُسْبُوع دِينَارا حَسْبَمَا صرح بِهِ عَن نَفسه، وَكَذَا فَارقه بعض بني الأتراك مِمَّن شفعه فِيهِ بعد أَن كَانَ حنفيا وَمَعَ كَونه مبتدئا لمزيد احسانه إِلَيْهِ واقباله عَلَيْهِ بل فَارق المغربي الَّذِي كَانَ يزْعم انه الْغَايَة فِي الْولَايَة وَالْفَتْح الْقُرْبَى،
وَمن هوسه قَوْله لبَعض ملازميه إِذا صَار الينا الْقَضَاء قَررنَا لَك كَذَا وَكَذَا بل تصير أَنْت الْكل
ثمَّ لما كَانَ فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين قَامَ عَلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو النجا بن الشَّيْخ خلف وَأظْهر نَقصه وَخَطأَهُ وانقمع مِنْهُ وذل إِلَى الْغَايَة ومدح الامام الكركي أَبَا النجا بِأَبْيَات حَسْبَمَا كتبت ذَلِك كُله فِي الْحَوَادِث
وَقبل ذَلِك كتب مؤلفا سَمَّاهُ الكاوي فِي الرَّد على السخاوي خَالف فِيهِ الثَّابِت فِي الصَّحِيح مَعَ كوني لم أَتكَلّم فِي المسئلة إِلَّا قبل بل مذهبي فِيهِ ترك التَّكَلُّم اثباتا ونفيا فسبحان قَاسم الْعُقُول.
________
الكتاب: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع
المؤلف: شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي (المتوفى: 902هـ)
الناشر: منشورات دار مكتبة الحياة – بيروت
عدد الأجزاء: 6